أعلام أدبية من النجف الأشرف
عندما تمرّ بالنجف الأشرف تستوقفك هيبتها وأنت ترى منائر الذهب تعانق سماءها وتتخيّل فارس نهج بلاغتها.. فكيف لا تكون ملهمة بالشعر والشعراء والأدب والأدباء.
والنجف من أعرق البيئات الثقافية الإسلامية قدماً، يقول الدكتور علي جواد الطاهر:
(النجف مدينة العلم الديني المنقطع النظير، ثم الأدب والشعر، وهي فيهما نادرة من النوادر واعجوبة من الأعاجيب، يُعنى أهلها بقول الشعر وسماعه والحديث عنه عنايتهم بالمسائل اليومية من أكل وشرب، انهم أدباء كما يتنفّس المرء الهواء.. ولاتسل بعد ذلك - عن الكتب والمكتبات، والأسر العريقة في العلم والأدب والشعر ومجالسها الخاصة والعامة، وما يُتلى من شعر في الافراح والأحزان، وفي مآتم الحسين بن علي وما يتفاخر به الشعراء ويسمر به الناس..
إن الشعر في النجف حياة، وهو لدى ابنائها ولا أسهل منه أو أيسر، أو أنه فيها كالماء والهواء استسهالاً واستعظاماً، جداً وهزلاً، وهو مجد كما هو مرتزق، وعلامة فارقة لا تكاد تضاهيها فيه بلدة اخرى في العالم العربي..
ومن خواص النجف التي تذكر بالاكبار انها سايرت التطورات الدينية الأدبية في العالم العربي، بصدر رحب وأفق واسع فهي مع محافظتها على أصالة الفكر الإسلامي لم تتزمت فترفض المعاصرة، وإنما أخذت من وسائلها وأسبابها ما رأته الضروري النافع حتّى (أنّ الكتب الحديثة ما تكاد تدخل العراق حتّى تتجه رأساً إلى النجف فتتلقفها الأيدي هي وكتابات أكثر حداثة كشعر شوقي وحافظ وإيليا أبي ماضي)
هذا العصر الذي يعتبر قمة في نضج وسعة المدرسة العلمية النجفية في مختلف أبعاد المعرفة، وكان من عناية الله تعالى بالحوزة أن تتابع جيل من المراجع المحققين والعلماء الكفوئين لقيادة الحوزة، وقد ضمت هذه الفترة على تعاقب واجتماع:
الميرزا حسين النائيني، والسيد أبو الحسن الاصفهاني، والسيد محسن الحكيم، والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، والسيد أبو القاسم الخوئي، والشيخ محمد حسن المظفر، والسيد عبد الهادي الشيرازي، والسيد حسين الحمامي، والسيد محمد تقي آل بحر العلوم، والشيخ محمد رضا آل ياسين، واضرابهم من فحول العلماء الاعلام، وهؤلاء مجرد نموذج لا على نحو الاستيعاب، وتليهم طبقة أخرى ضمّت مجموعة، منهم:
الشيخ مرتضى آل ياسين، والشيخ محمد رضا المظفر، والسيد موسى آل بحر العلوم، والسيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد تقي الحكيم، والشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي، والسيد ميرزا حسن البجنوردي، وأمثالهم، وهذه المجموعة هي الأخرى مجرد نموذج من عدد كبير.
وحفل عصره أيضاً بعدد من الخطباء المبرزين، منهم الشيخ محمد علي اليعقوبي، والشيخ محمد علي قسام، والسيد صالح الحلي، تليهم طبقة اخرى نسجت على منوال السابقين ممن ذكرناهم من الأدباء والشعراء فيشكلون كمّاً كبيراً لهم طابعهم النجفي الخاص، وأدبهم الناضج والرائد، ابتداءاً من شيخ الأدب الشيخ محمد جواد الشبيبي، والشيخ محمد رضا الشبيبي، والشيخ علي الشرقي، والشيخ محمد مهدي الجواهري، والسيد محمد سعيد الحبوبي، والشيخ صالح الجعفري، والدكتور عبد الرزاق محي الدين، وكثير غيرهم ممن صقلت بهم أبعاد النجف الحضارية، ومن الجدير بالذكر أن معظم أهل العلم شعراء ولكنهم لا يرغبون بذكر ذلك عنهم لرغبتهم في الاحتفاظ بالنهج العلمي والاشتهار بذلك، أما المحققون في الابعاد الفكرية الأخرى فيوجد أعداد كبيرة، ورد ذكرهم في كثير من الموسوعات والمراجع المتخصصة، ومن أراد الاستزادة الرجوع اليها لأن النجف وبالاختصار كل زقاق من ازقتها معهد علمي، وكل ناد من انديتها ومجلس من مجالسها هو عبارة عن مؤسسة ثقافية تحفل بعطاء علمي ناضج.
إنها باختصار مدينة العلماء، المكتبات، الكُتّاب، الشعراء، المطابع..
نحاول هنا أن نذكر بعض أبرز الشخصيّات الأدبية الذين تشرّفوا أن ينهلوا من معينها وهم من عمالقة الشعر العراقي والعربي:
- السيد محمد سعيد الحبوبي:
ولد السيد محمد سعيد ابن السيد محمود ابن السيد حمزة ابن السيد مصطفى (جد آل الحبوبي) في النجف الأشرف سنة (1266 هـ / 1850 م) وأسرة الحبوبي أسرة عربية ينتهي نسبها الشريف إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) وينحدر أصل هذه الأسرة من الحجاز حيث لا يزال الكثير منهم يسكن هناك، أما في العراق فهم ينتشرون بين السماوة والنعمانية والنجف وغيرها من المدن العراقية، ومعظم رجال هذه الأسرة يمتهنون التجارة.
نشأ الحبوبي على ما ينشأ عليه لدّاته في المجالس العلمية والأدبية في النجف الأشرف ولا يخفى ما لهذه النشأة من أثر كبير في تكوين شخصية الإنسان، فهذه البيئة العلمية والمحيط الأدبي قد رفدا العالم الإسلامي بالمئات من كبار العلماء الأعلام وفحول الشعراء والأدباء والمفكرين و النوابغ والدعاة فضلاً عن ذلك فقد اجتمعت لدى الحبوبي الكثير من المواهب والمؤهلات التي راحت تعدّ له سبل الرقي والنبوغ العلمي والأدبي.
درس الحبوبي الأخلاق والرياضيات عند العلامة الكبير ميرزا حسين قُلي، ودرس الفقه والأصول عند الأستاذ الكبير الشيخ محمد حسين الكاظمي، وبعد وفاة هذا الأستاذ حضر الحبوبي دروس الشيخ محمد طه نجف، وقد أشاد هذا الأستاذ الكبير بعلمية شاعرنا و منزلته بكلمات كثيرة، ثم انقطع الحبوبي للتأليف والتدريس وقد تخرج على يديه الكثير من طلاب العلم وكبار العلماء والمجتهدين، كما ترك آثاراً وكتابات في الأصول والفقه لم يطبع منها سوى ديوان شعره.
وإذا رأينا الحبوبي طوداً في علمه وفقهه فإننا نلفيه بحراً زاخراً بأدبه وشعره ويشهد له ديوانه ذلك السفر الأدبي على صدارته الشعرية في عصره بالرغم مما كانت تضم مدينة النجف الاشرف في ذلك الوقت من فطاحل الشعر ونوابغ الأدب أمثال السيد جعفر الحلي والسيد موسى الطالقاني والشيخ عباس القرشي والشيخ محسن الخضري وغيرهم.
امتاز شعر الحبوبي بدقة الوصف وجودة السبك وحسن الاختيار في الصورة الشعرية إضافة إلى ذلك جمال الأسلوب وجزالة التراكيب كما كان متميزاً باختياره لمطلع القصيدة ليكون لوحة رائعة متكاملة فلنستمع إلى مطلع مرثيته للسيد حيدر الحلي بقيثارته الحزينة والتي لا يخالج القارئ الشك في أنه يستمع الى مرثية لأحد كبار شعراء العصر العباسي يقول الحبوبي:
أبِنْ ليَ نجــــــوى لو تطيق بيانا *** ألســــتَ لعدنانٍ فماً ولسانا
وأبلغ خطـــــاباً فالبلاغة سلِّمت *** لكفيك منــــها مقوداً وعِنانا
وجل يا جواد السبق في حلباتها *** فهاشمُ سامتْ للسُّباتِ رِهانا
ورغم طول القصيدة ــ 85 بيتاً ــ إلا أنها لا تفقد تأثيرها وروعتها لدى القارئ حيث تكاملت فيها جميع الخصائص الرثائية، ولعل شخصية المرثي له قد ساعدت في هذا التكامل يقول الحبوبي:
أغيث الأيــــــــــــــــــادي قد تقشّع غيثها *** وحين المعادي كيف حينك حانا
صُرعت وما خلتُ الردى يصرعُ الردى *** لعمـري وما يفـني الزمانُ زمانا
فيا صارماً لاقى من المــــــــوتِ صارماً *** بلى وسنـــــــــاناً ذاق منه سنانا
ثم تدور أبيات القصيدة الأخرى حول الإحساس بالفقد ويشيع فيها جو من الحزن والأسى يجعلها وحدة عضوية واحدة:
أجدّك علّمني لوصلــــــــك حيلة *** فأنت الذي علّمتني الهيـمانا
وهَب أن سمعي نــــافعٌ بحديثكم *** أللعين معنىً أو تراك عـيانا
ولا أسفاً ما أن مضى الدهر كلّه *** هباءً إذا أبصرت وجهك آنا
والمطالع لديوان الحبوبي يجد أن أغلب قصائد الديوان تصب في مصب الغزل والنسيب وقد أبدع الحبوبي في هذا الباب أيما إبداع حيث فاق شعراء عصره في هذا الباب فكانت ألفاظه وأساليبه فيها الكثير من الأصالة والجودة والرقة والعذوبة، ولا يخفى أن الشاعر يطرق في شعره جميع الأغراض حيث أن الذي ساد أغلب القصائد في الشعر العربي القديم هو المقدمة الغزلية وقد يبدأ الشاعر مقدمته بهذا الباب حتى وإن كانت رثائية أو في باب المدح ويجود خياله له بأسماء وهمية يتغزل بها في هذه المقدمة كـ(دعد) و (هند) و (سعاد) كما في قصيدة كعب بن زهير المشهورة والتي أنشدها أمام النبي (ص) في مدحه والتي يقول فيها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ *** متيمٌ بعـــــــــدها لم يفد مكبولُ
هيفاء مقبـــــلة عجزاء مدبرة *** لا يشتكى قصر منها ولا طولُ
وقد جرى الشعراء في عصر الحبوبي على هذه الطريقة فكان الشاعر يتفنن في أغراض الشعر ويطرق جميع أبوابه ومنها باب الغزل لكي يبرهن أنه ذو مقدرة في هذا الباب ويؤكد الحبوبي هذا وينبئ عن مركزه في العفة بقوله في (موشح):
لا تخلُ ويكَ ومن يســـمع يخلْ *** إنني بالراحِ مشغوفُ الفؤادْ
أو بمهظوم الحشا ساهي المقلْ *** أخجلت قامته سمرَ الصعادْ
أو بربـــــــــــاتِ خدورٍ وكللْ *** يتفنــــــــــــــنَّ بقربٍ وبعادْ
إنَّ لي من شـــرفي برداً ضفا *** هو من دون الهوى مرتهني
غير أني رمت نـــهجَ الظرفا *** عفة النفسِ وفــــسق الألسنِ
ولم تكن إجادته في هذا الباب وحده فمن يطالع رثائياته يجده قد تفرّد بهذا الفرض بأسلوبه الرائق المشجي يقول في إحداها راثياً أحد علماء الدين في النجف الأشرف:
نزعتك من يدها قريش صقيلا *** وطـــــوتك فذاً بل طوتك قبيلا
فُجعتْ بفقــــــدِكَ واحداً فكأنما *** فُجعــت بآلِ النضرِ جيلاً جيلا
وتذكرت في يــومِ فقدِكَ فقدها *** مضراً فأوصلتِ العويلَ عويلا
كما تعددت الأغراض بين ثنايا شعره وتنوّعت المعاني في وصف وتصوير الطبيعة ونعت لمشاهد الكون يقول من قصيدة طرق فيها باب الفلسفة الأدبية:
سمــاءُ اليومِ مثل سماءِ أمسِ *** وما نقصت سموّاً وارتفاعا
وليس بضائرِ المـسكِ استتارٌ *** إذا ما عرفه الداريّ ضاعا
وما غــبّ البطــاح السيل إلا *** مذ أخضـرّت بمجراه بقاعا
ونقتطف هذه الصورة الإسطورية من إحدى قصائده الرثائية:
والموتُ موعدُ من تمادى عمره *** والدهرُ منجزُ وعده الموعودِ
ولسوف يقتطـف الثريا إذ غدت *** تلتامُ فـــــــي شبهٍ من العنقودِ
ويدوس سنبــــله السماء وينثني *** من زرعِ أنـجمِها بكلِّ حصيدِ
ويصيدُ نسرَ النــجمِ من أوكارِهِ *** بشبــــاكِ مقتـنصٍ وفخِّ مصيدِ
ولعل الموضوع لا يتسع لذكر أكثر مما ذكرناه من أبيات متفرقة لكن يجدر بنا أن ننوّه إلى أن الحبوبي ترك الشعر نهائياً قبل أن يدركه الموت بثمان وعشرين سنة حيث تفرّغ كلياً لما كان يتطلبه الدين الحنيف من فقه وأصول وعلوم إسلامية.
- السيد جعفر الحلي:
- ولد الشاعر السيد جعفر الحلي وفي عينيه دمعة الحزن الكربلائي وعلى شفتيه لغة يوم الطف فاقترن الحزن والألم عنده بروحه الحسينية النابضة المفرطة الحساسية, فمشاهد ذلك اليوم الحزين اتّحدت في مخيلته وعاشها بعمق فشكّلت صبغة من الحزن العميق في شعره, وامتد هذا الحزن ليكتسب وجهه الإنساني بعداً آخر وهو انتظار دولة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) والانتقام من الطغاة (قتلة الحسين) مستمداً مصداقه من الآية الكريمة: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين), فصور معركة الطف حاضرة دائماً في وجدانه تثيره وتلهب مشاعره فيبث شكواه إلى بقية الله في أرضه والحجة على عباده الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) :
-
أتنامُ أعينكم وتلك سراتكم *** جعلت أميةُ في الصعيد منامَها
ويطيب عيشكم وتلك أمية *** قد لطّخت بدم الحسين حسامَها
والشمس تصهر أوجهاً لغطارفٍ *** رضّت خيولُ أميةٍ أجسامّهابهذه الحرقة الممزوجة بالحزن والأسى يطلق الشاعر السيد جعفر الحلي هذه الصرخة بعد أن سخّن الألم كل خيالاته وأجّجت اللوعة رؤاه، وقد جاءت أغلب قصائده الرثائية لسيد الشهداء (ع) وأهل بيته وصحبه على هذا المنوال :
بأبي القتيل وغسله علق الدما *** وعليه من أرج الثنا كافورُ
ظمآن يعتلج الغليل بصدره *** وتبلّ للخطيّ منه صدورُ
وتحكمت بيض السيوف بجسمه *** والحكم في بيض السيوف يجورُ
وغدت تدوس الخيل منه أضالعاً *** سر النبي بطيها مستورُويصور مصارع الشهداء الأبطال من أهل بيته وصحبه وقد أرخصوا النفوس من أجل العقيدة :
في فتية قد أرخصوا لفدائه *** أرواحَ قدسٍ سومهنّ خطيرُ
ثاوين قد زهت الربى بدمائهم *** فكأنها نوّارها الممطورُ
هم فتية خطبوا العلا بسيوفهم *** ولها النفوس الغاليات مهورُكما لا ينسى السيد جعفر الحلي صورة سبايا آل محمد يطاف بهن من بلد إلى بلد وهن ربائب الوحي وحرائر النبوة فكانت الصورة التي طالما أرقه وأقضت مضجعه :
وثواكل يشجي الغيور حنينها *** لو كان ما بين العداة غيورُ
حرم لأحمد قد هتكن ستورها *** فهتكن من حرم الاله ستورُ
كم حرة لما أحاط بها العدى *** هربت تخف العدو وهي وقورُ
والشمس توقد بالهواجر نارها *** والأرض يغلي رملها ويفورُ
هتفت غداة الروع باسم كفيلها *** وكفيلها بثرى الطفوف عفيرُبهذه المقدمة (الشعرية) رأينا الدخول على الشاعر واستئذانه بالحديث عنه ولعله ـ لو كان حياً ـ كان سيفرح بها لأنه أفنى عمره من أجل قضية الحسين ورثائه .
في مدينة الشعر والشعراء الحلة الفيحاء وتحديداً في قرية (السادة) ولد الشاعر السيد جعفر بن السيد حمد آل كمال الدين الحلي النجفي عام (1277 هـ). من أسرة علوية شريفة ترجع إلى زيد الشهيد بن الامام زين العابدين (ع) وقد عرفت هذه الأسرة بالانتماء إلى السيد كمال الدين بن منصور وهو جد الأسرة الكمالية المنتشرة في الحلة وضواحيها والنجف والكوفة وهو الجد السادس للسيد جعفر الحلي وقد كتب عنها مفصلاً الخطيب اليعقوبي في كتابه (البابليات) .
كان أبوه السيد حمد من تلامذة السيد مهدي القزويني , وكان معروفاً بالفضل والعلم والتقوى ، ولما ترعرع السيد جعفر اقتفى أثر أبيه في طلب العلم ، ثم هاجر إلى مدينة النجف الأشرف وهو في سن صغير وهناك أخذ يدرس مبادئ النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان وصار يتردد على مدارس العلماء وحوزاتها الحافلة.
وبينما هو يدرس هذه الدروس كان الشعر يجري على لسانه بسلاسة لا نظير لها، ولم يكد يبلغ الثلاثين من العمر حتى أصبح من الشعراء المشهورين الذين تلهج الألسن بذكرهم وتتغنى بشعرهم , وكان يعيش حياة الفاقة ولكن في عزة نفس وعلو همة ووقار وكان يفرغ ألمه وحرمانه في شعره، ولا يشكوه ذلك لأحد , وقد ألمت به الحاجة واشتد ضيقه خاصة بعد زواجه، فكان مرة يتصبر وأخرى يتبرم فليس له مصدر رزق سوى قلمه:
لي قلم أخرس لكنه *** ينطق عن معجب أفكاري
برأته حياً ولكنــه *** ما أحسن الشكر إلى الباري
حتى غدا رزقي به ضيقاً *** كأنه من شقّه جاريلقد كُتب على شاعرنا ألا يعرف معنى الراحة طول حياته، فما إن ابتنى داراً له أفرغ على بنائها جميع ما يملك ولم تبق عليه شيئا حتى غدت عليه هذه الدار مصدراً للشؤم والنحس اذ لم يسترح بها أبداً فما سكنها إلا ثلاث سنين كان في كل سنة يموت واحد من أولاده، حتى دفنهم كلهم بيده، كل هذه الحوادث جرت على شاعرنا وهو لم يتجاوز الأربعين من عمره فكان يلجأ إلى الشعر متنفسه الوحيد فكان يكثر من قوله رغم شدة محنه وابتلائه.
ولم يزل حاله هكذا حتى وافاه الأجل عام (1315هـ) ودفن في النجف الأشرف عند قبر أبيه أبي الحسين حمد قرب مقام الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وكان لوفاته دوي في النجف والحلة ورثاه الكثير من الشعراء .
بهذه الحياة التي ملئت شقاء وتعاسة كان شاعرنا نابغة الشعر ومرآته ولم يترك غرضاً من أغراضه إلّا سلكه ولا باباً إلّا طرقه وفي مقدمة هذه الاغراض وأوائل هذه الأبواب مراثيه ومدائحه لأهل البيت (ع) وبخاصة جده الامام الحسين (ع) والشهداء من أهل بيته وصحبه (رض) .
وللسيد جعفر الحلي ديوان أطلق عليه اسم (سحر بابل وسجع البلابل ) قبل أن يجمع فجمعه أخوه السيد هاشم بعد وفاة الشاعر في شعبان سنة (١٣١٥ هـ) وقد طبع الديوان في صيدا وقدم له المصلح الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء مقدمة وافية عن حياته وشعره رأينا نقل بعض منها استيفاء بحق الشاعر فمما جاء في مقدمته :
(الشريف أبو يحيى جعفر بن الشريف حمد الحلي منشئاً ، النجفي مسكناً ومدفناً الشاعر المفوّه الأديب يتصل نسبه بيحيى بن الحسين بن زيد الشهيد ابن علي بن الحسين ، ولد رحمه الله يوم النصف من شهر شعبان المعظم من السنة السابعة والسبعين بعد المائتين والألف من الهجرة النبوية في إحدى القرى اللصيقة بالحلة الفيحاء على شاطئ الفرات وتسمى بقرية السادة من رساتيقها الجنوبية التي تعرف بالعذار وأبوه السيد حمد سيدها في الفضل والصلاح وأحد المتخرجين على العلامة السيد مهدي القزويني طاب ثراه وكان له عدة أولاد أكبر من السيد جعفر كلهم أهل فضل وعلم وتقى ولما ترعرع السيد جعفر وبلغ أو كاد اقتفى أثر أخوته الكرام فهاجر إلى النجف من العذار قبل أن ينبت بعارضه العذار وكانت قد ساءت الحال على أهل تلك النواحي وذهبت مادة حياتهم وانقطعت أسباب رفاهيتهم بانقطاع ماء الفرات الذي عادت مجاري سيوله الذهبية سيل رمال وسلسلة تلال ومساحب أذيال مما ألجأ الحكومة العثمانية حينئذ للاهتمام بإنفاق مبالغ من الأموال في عشرات من السنين حتى أعادت الماء إلى مجراه بواسطة هذا السدّ العظيم المهم في الفرات ويُدعى اليوم بسدة الهندية ، طفق ذلك السيد الحدث يطلب العلم في النجف وهو يستظل سماء القناعة ويلتحف أبراد الفقر والفاقة وما أحرّها من أبراد ولكن بين جنبيه تلك النفس الشريفة والروح اللطيفة والجذوة الوقادة والشيم الهاشمية والشمائل العربية فجعل يختلف إلى مجالس العلم ويحضر أندية الفضل ويتردد إلى محافل الأدب وناهيك بالنجف يوم ذاك وما ادراك ما النجف ـ البلدة تتجلى لك بها الفضيلة بأتم مجاليها بل بتمام حقائقها ومعانيها هي تلك الدائرة التي جعلت مركزها باب مدينة العلم فاستقت من ينبوعه واستمدت من روحانيته وحلّقت في سماء المعارف الدينية والأخلاق الأدبية حتى بلغت ما شاءت هي وشاءت لها العناية.
نشأ السيد جعفر فاستطرف قدر حاجته من المبادئ النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان ، وصار يختلف إلى مدارس العلماء وحوزاتها الحافلة بالفقه وهو في كل ذلك حلو المحاضرة سريع البداهة حسن الجواب نبيه الخاطر متوقد القريحة جريّ اللسان فهو يسير إلى النباهة والاشتهار بسرعة ويتقدم إلى النبوغ والظهور بقوة وبينا هو في خلال اشتغاله بطلب العلم كان يسنح على خاطره فيجري دفعاً على لسانه من دون أعمال فكر ومراجعة روية البيتان والثلاث والنتف والمقاطيع حسب ما يقتضيه المقام ويناسبه الوضع فيتلوها على الحضور أياًما كانوا قلة أو كثرة ضعة أو رفعة غير هيّاب ولا نكل فتستحسن منه وتستجاد وتستزاد وتستعاد ولكن نحو ما قال أحد الشعراء :
كلما قلت قال أحسنتَ زدني وبأحسنتَ لا يباع الدقيق
برع في نظم الشعر وهو دون الثلاثين وأصبح من الشعراء المعدودين الذين تلهج الألسن بذكرهم وتتغنى بشعرهم ، واقترن بأحد كرائم قومه وعاد ذا عيلة فاشتدت وطأة الدهر عليه وصارت تعتصره كل يوم عصّارة الحدثان وتكتظه صبّارة الصرفان وهو يتلوّم تارة ويتبرّم وأخرى يصبر أو يتصبر وطوراً يضج في أشعاره ويتضجر وأعظم ما هنالك رزية أنه يجتلب مسكة رمقه ودرّة عيشه من ضرع قلمه وشق قصبته. وإذا كان الشعر مرآة الشعور ومظهر حقيقة قائلة وتمثال شمائله وخمائله فاقرأ ما شئت من ألوان شعره لتراه محلّقاً في جميع ضروب الشعر وآفاقه سباقاً إلى اختراق معانيه ومثالا لمصداقه سيما في الرثاء فقد قال من قصيدة عصماء يرثي المرحوم الميرزا محمد حسن الشيرازي :
يا شعلة الطور قد طار الحِمام بها *** وآية النور عفّى رسمها الزمنُ
اليوم منك طوى الإسلام قبلته *** فالله يحفظ من أن يُعبد الوثنُ
تحركوا بك إرقالا ولو علموا *** أن السكينة في تابوتهم سكنواوالقصيدة كلها بهذا اللون وهذه القوة ، وهكذا كان السيد جعفر من قوة العاطفة وصدق الاحساس وشدة الانفعال ، كما أنه على جانب كبير أيضاً من سعة الخيال وعمق التفكير وجودة التصوير وبلاغة التعبير ويرى البعض أنه يزاحم السيد حيدر في شهرته وشاعريته وكثيراً ما اشترك في حلبات شعرية فحاز قصب السبق).
وذكر الشيخ محمد السماوي في كتابه ( ظرافة الأحلام ) عن حياة السيد جعفر الحلي قوله : (ولسهولة قول الشعر عليه على ما عرفت من شدة محنه وابتلائه إنه كان مكثراً منه فكان لا يجلس ولا يقوم على الأكثر إلا وقد قال الأبيات أو البيتين فما فوقها حسبما سنح في تلك المحاضرة والمحادثة من الدواعي وكان ربما طلب ماءً أو قهوة أو داعب جليساً أو غير ذلك فيورد غرضه ببيتين من الشعر هما أجلى في أداء مراده من الكلام المألوف والقول المتعارف ، وربما كان يأتي إلى بيت من يريد فلا يجد ربّه فيكتب على الجدار حاجته أو سلامه ويذهب وهذا كثير له فمن ذلك بيتان كتبهما في دار السيد السند ثقة الإسلام وقدوة الاعلام السيد حسن الصدر يشفّعه عند أستاذه حجة الإسلام الشيرازي طاب ثراه وهما :
لقد بقيت بسامراء منفرداً *** مثل انفراد سهيل كوكب اليمنِ
والدهر لما رماني في فوادحه *** آليتُ لا أشتكي إلا إلى الحسنِ)وإن ذلك يدل بل يؤكد على أن شعره (رحمه الله) يبلغ ـ ولا شك ـ أضعاف ما نشر في ديوانه المطبوع وذلك لأن مثل تلك المقاطيع والنتف التي تتفق عرضاً وتجري عفوية مما لا يمكن تدوينها ، وقد اهتم بجمع ديوانه شيخنا المصلح الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء وأخذه بنفسه في سنة (١٣٣١ هـ) حين سافر إلى لبنان والديار المصرية ووقف على طبعه في صيدا بمطبعة العرفان وصدره بمقدمة جزيلة نقلنا بعضها وعلّق على الديوان حواشي هامة تتضمن بالإيجاز تراجم مَن جاءت أسماؤهم في الديوان مع تهذيب الديوان وتنقيحه.
وقد أبدع السيد جعفر في كل أغراض شعره لا سيما روائعه في شهداء الطف التي امتازت على باقي أدبه ، فكأن ذكرى أولئك الشهداء الذين كرهوا الذل وأنفوا من الضيم وجادوا بنفوسهم الزكية ودمائهم الطاهرة في سبيل الحق والكرامة توقظ بين جوانحه شعلة الثورة الهاشمية , ومما يدل على روحه الحسينية الخالصة أن إحدى هذه القصائد الحسينية بل أجودها وأشهرها نظمها بساعتين ، وهي رائعته التي مطلعها :
وجه الصباح عليّ ليلٌ مظلمُ *** وربيع أيامي عليّ محرمُ
وكان ذلك في شهر المحرم وهو الجو المشبع بالحزن فلا تسمع إلّا ناع وناعية ونادب لسيد الشهداء ونادبة ، فمرّ الشاعر في هذا الجوّ وتمشى في الصحن العلوي واسترسل بقول هذه القصيدة التي تزيد على السبعين بيتاً وكلها من الشعر المنسجم أمثال قوله في أصحاب الحسين :
متقلدين صوارماً هندية *** من عزمهم طبعت فليس تكهمُ
إن أبرقت رعدت فرائص كل ذي *** بأس وأمطر من جوانبها الدمُإن ارتباط الشاعر جعفر الحلي بالقضية الحسينية كانت له ملامح مميزة في شعره فالذي يربط شاعرنا – وكذلك شعراء عصره – بهذه القضية الخالدة هي الروح الانسانية الكبيرة التي حملها الامام الحسين (ع) يوم عاشوراء فنرى شاعرنا وقد هام بهذه الروح فراح يجسدها في شعره:
ورد الحسين الى الطفوف يقود للعلياء حزبه
شمخت بهم تلك البقا *** ع وقد علت شرفاً ورتبة
فلك بنو الزهرا له *** شهب وكان السبط قطبه
أربت على الفلك المدا *** ر وشهبه أخفين شهبه
كل ابن معركة يشق *** دجى الوغى في خير أهبه
لا يرهبنّ وسيفه *** يلقي بقلب الموت رهبهويشير السيد جعفر الحلي إلى الوضع الظالم المظلم الذي كانت تعيشه الأمة الاسلامية في عهد يزيد وهو ما دفع الإمام الحسين (ع) لإعلان ثورته :
يوم وافى الحسين يرشد قوماً *** من بني حرب ليس فيهم رشيدُ
خاف أن ينقضوا بناء رسول الله في الدين وهو غضٌّ جديدُ
وأبى الله ان يحكم في الخلق طليق مستعبد وطريدُ
كيف يرضى بأن يرى العدل بادي النقص والجائر المضلُ يزيدُ
فغدا السبط يوقظ الناس للرشد وهم في كرى الضلال رقودُ
ولقد كذبته ابناء حرب مثلما كذّب المسيح اليهودُ
فدعا اله الكرام الى الحرب فهبوا كما تهبُّ الاسودُ
علويون والشجاعة فيهم ورثتها آباؤهم والجدودثم يتصاعد الحزن بوصف أحداث ذلك اليوم فالرجال قتلى .. والدماء تغطي الارض والأطفال يصرخون من العطش والنساء تبكي وتنوح وهن مسبيات :
ياوقعة الطف ولم ننسها *** ما أظلم الليل وضاء النهار
مثل بنات الوحي بين العدا *** يطاف فيهن يميناً يسار
لم تدر في السير لما راعها *** أنجد حاديها بها أم أغار؟
حرائر يجلبن جلب الأما *** ظلماً وبالأمصار فيها يدار
قد غادروا في الطف فتيانكم *** تذري عليها الريح سافي الغبارلقد كان السيد جعفر الحلي رسول الألم والحزن بشكل شعري وهو يتألم في نقله الحزن إلينا فهو يحكي عن مآسٍ تتفطر لها القلوب وشعره يتدفق من حزن ينبع في داخله ويصعد في الدم ضاجاً متألماً ذلك هو الحزن الحقيقي حزن أن تعيش المأساة فأي دم في ذلك اليوم قد سفك؟ وأي حريم قد انتهكت؟
الله أي دم في كربلا سفكا *** لم يجر في الأرض حتى أوقف الفلكا
وأي خيل ضلال بالطفوف عَدت *** على حريم رسول الله فانتهكا
يوم بحامية الإسلام قد نهضت *** به حمية دين الله إذ تركا
فكان ما طبق الأدوار قاطبة *** من يومه للتلاقي مأتماً وبكا
ولم يغادر جماداً لا ولا بشراً *** إلا بكاه ولا جناً ولا ملكا
فان تجد ضاحكاً منا فلا عجب *** إذ ربما بسم المغبون أو ضحكا
في كل عام لنا بالعشر واعيةً *** تطبق الدور والأرجاء والسككا
وكل مسلمة ترمي بزينتها *** حتى السماء رمت عن وجهها الحبكا
يا ميتاً ترك الألباب حائرة *** وبالعراء ثلاثاً جسمه تُركا
تأتي الوحوش له ليلاً مسلمة *** والقوم تجري نهاراً فوقه الرمكاولعنوان الوفاء ورمز الشجاعة أبي الفضل العباس عليه السلام حيز في ديوان السيد جعفر الحلي أو بالأحرى مكاناً في داخله وعميق احساسه ذلك البطل الذي زعزع الجيش الاموي :
حتى إذا اشتبك النزال وصرحت *** صيد الرجال بما تجن وتكتمُ
وقع العذاب على جيوش أمية *** من باسل هو في الوقائع معلمُ
ما راعهم إلا تقحّم ضيغم *** غيران يعجم لفظه ويدمدمُ
عبست وجوه القوم خوف الموت *** والعباس فيهم ضاحكٌ متبسّمُ
قلب اليمين على الشمال وغاص في *** الأوساط يحصد في الرؤوس ويحطمُ
بطل تورّث من أبيه شجاعة *** فيها أنوف بني الضلالة ترغمُوهناك سمة تغلب على أكثر قصائد السيد جعفر الحلي الحسينية وهي كثرة ندبه للإمام المهدي المنتظر والتعجيل له بالفرج من كثرة الظلم والجور والقتل من قبل السلطات منذ عهد الأمويين والعباسيين والجرائم البشعة التي ارتكبوها بحق أهل البيت عليهم السلام وغيرهم والإنسانية جمعاء وهي ما جعلت الشاعر يلجأ إلى الرمز الأعلى والأمل الأكبر في إنقاذ الامة من الطواغيت والجبابرة وهو الامام المهدي (عجل الله فرجه) الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً :
ياقمر المَ الى مَ السرار؟ *** ذاب محبوك من الانتظار
لنا قلوب لك مشتاقة *** كالنبت اذ يشتاق صوب القطار
فيا قريباً شفّنا هجره *** والهجر صعب من قريب المزار
دُجى ظلام الغي فلتجله *** يا مرشد الناس بذات الفقار
يستنظر الدين ولا ناصر *** وليس إلا بكم الانتصار
متى نرى بيضك مشحوذة *** كالماء صافٍ لونها وهي نار
متى نرى خيلك موسومة *** بالنصر تعدو فتثير الغبار
متى نرى الأعلام منشورةً *** على كماة لم تسعها القفار
متى نرى وجهك ما بيننا *** كالشمس ضاءت بعد طول استتار - الشيخ محمد جواد الشبييبي الكبير:
- الشبيبي الكبير هو الشيخ جواد بن محمد بن شبيب بن ابراهيم بن صقر الجزائري ابن عبد العزيز بن دليهم الاسدي, وكانت سلالتهم حتى الشيخ شبيب الذي تنتمي العائلة اليه, يسكنون في منطقة الجبايش في محافظة ذي قار, وكان (دليهم) الزعيم العام لآل حميد المواجد من بني اسد, فهم من فخذ المواجد, وكان لشبيب ولدان محمد وموسى, توفي الاخير دون خلف, اما محمد بن شبيب فقد تزوج ابنة الشيخ صادق اطيمش, وهو احد رجال الادب والفكر والعلم في مدينة الشطرة التي تأسست في عهدهم سنة (1286هـ\1869م), واثر نزاع عائلي على الاراضي غادر محمد بن شبيب الى النجف في بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر, فقضى ردحا من الزمن يرتشف من علومها الدينية, ثم انتقل الى الشطرة ثانية, منها الى بغداد, وبعد ولادة ابنه جواد (1281هـ\1864م) بعدة ايام توفي الى رحمة الله, فاضطرت قرينته الرجوع الى النجف حتى انفذ الشيخ صادق اطيمش من يحمل ابنته وسبطه الى الشطرة, فنشأ المترجم له في كنف جده لامه, وكان جده يلقنه ويخصه, فكبر بعنايته, وقد فتح على طبعه الشعر صبيا فزاد اعجابه به واحبه حبا شديدا, ولن يزل مقيما في ذرى جده الى ان توفي عام (1296هـ\1879م), وبعد وفاة جده لامه لم يطل مقامه في الشطرة حيث نزح الى النجف مع والدته في (ذي الحجة \1297هـ تشرين الثاني 1880م). وهي سنة الوباء الفضيع, ومنها الى بغداد والكاظمين. ثم قفل راجعا الى النجف لدرس المقاصد في الفقه والاصول, وسكن محلة (البراق) وتزوج من احدى بناتها وهي بهية بنت محمد من آل الطريحي العائلة النجفية المعروفة, فأنجبت له الشيخ محمد رضا الشبيبي, ومحمد باقر ومحمد جعفر ومحمد علي والشاعر محمد حسين ومحمد رشاد, وبتوجيهه ساهم اولاده في الثورة العراقية (1920م) وفي الحركة الوطنية, وقد ابلوا في كل ذلك بلاء حسنا.
-
تخرج الشيخ الشبيبي الكبير على الشيخ محمد محسن الخضري والشيخ جعفر الشرقي والسيد محمد سعيد الحبوبي في مجال الشعر, وقد بلغ ما نظمه اكثر من اربعين الف بيت, لم يعثر منها الا على عشرة الاف بسعي من السيد محمود الحبوبي, وشغل شعره معظم الجزء الثاني من شعراء الغري للشيخ علي الخاقاني, اما في الفقه والاصول فقد قرأ على جماعة من العلماء كالسيد عبد الكريم الاعرجي الكاظمي والشيخ احمد المشهدي والسيد مهدي بن السيد صالح الحكيم النجفي, وغيرهم فاستفاد المترجم من هؤلاء علما كثيرا وصنف عدة مؤلفات يذكرها لنا الزركلي في (اعلامه) وهي الروض المعطور بالدر المنثور وتراجم ادباء العصر, ونبذة في الاصول وديوان شعر. توفي الشيخ الشبيبي رحمه الله بعد عمر حافل بالنشاط والحيوية والابداع والخلف الصالح. وذلك في بغداد سنة (1362هـ\1944م). ونقل نعشه الى النجف الاشرف ودفن في مقبرة قرب داره في محلة البراق, بعد ان شارك في تشييعه الوزراء والنواب والاكابر والوجوه, واستقبل في النجف بتشييع اشتركت فيه جميع الطبقات وفي مقدمتهم العلماء والشيوخ والادباء واغلقت الاسواق وضاق الصحن الشريف بجماهير الشيعيين.
قالوا عنه:
وصفة العلامة الشهير اغا بزرك الطهراني وهو من معاصريه بانه عالم جليل, واديب كبير, ولغوي بارع, وشيخ ادباء العراق, وقد برع في علوم الادب, واصاب خبرة واسعة اطلاعا كثيرا, واحاط بعلم اللغة ايما احاطة, وقد جمع بين الاكثار والاجادة, فشعره على كثرته جيد رصين وسلس متين, وبتطرق الدكتور حسين على محفوظ الى مقاماته وشعره قائلا عنه من اشياخ الكتاب وفحول الشعراء تعبر عن مقامه المحمود في صناعة الكتابة التي يعنو لها البديع وتدل على مرتبته العالية من القريض اشعاره التي لا يقاويها القدامى حر لفظ ولا يضارعها المحدثون دقيق معنى ويقول عنه الشيخ حرز الدين في (معارف الرجال) عشق الادب وصار من شيوخ الادباء, وولع في نظم الشعر ونادم الشعراء, وكان من فرسائهم.. كان عصره حافلا بفحول الشعراء والادباء.. وكان لا يرجو نوال ممدوحه بشعره على طريقة بعض الشعراء, مع طيب نفس وظرافة وكياسة في الحديث وتدبر في الامور, وان الاستاذ جعفر الخليلي وهو بعمر احد اولاده يسجل لنا ما ان وعيت ولشيخ الادباء الشيخ جواد الشبيبي دوي هائل في الاوساط الادبية والمحافل النجفية, فكان اسمه من الشهرة بحيث لا يذكر اسم الاب يومذاك بجميع فنونه الا وكانت له من المناسبة ماتجعل الاتصال وثيقا باسم الشبيبي الكبير, ويؤكد الشيخ علي الخاقاني ماذهب اليه الخليلي بقوله عاشرته فوجدته حسن العشرة مليح النادرة صافي النية, حلو الفكاهة, لغوي, مؤرخ, حسن المحاورة, جيد المحاضرة, فطن, ذكي, ذو ذهن وقاد وفكر نقاد ويعتبره السيد جواد شبر شيخ الادب ومفخرة العرب الشاعر الخالد جامع الشوارد... من افذاذ الزمان في ادبه وكماله وظرفه واريحيته.. وفذلكة الاقوال يسجلها لنا السيد محسن الامين في (اعيانه) بقوله كان شيخ شعراء العراق واحد اعلامه واعيانه وله الحق فيما ذهب اليه وصدق الجميع في اقوالهم, فقد كان الشيخ الشبيبي الكبير طودا شامخا من اطواد العراق ورمزا كبيرا من رموزه, وسنتكلم في هذه الحلقة عن بعض مواقفه:
مواقفه:
الشاعر يعرف من شعره وسيان أسجل لنا المؤرخون ام لم يسجلوا عنه شيئا, فابن الرومي عرفناه من شعره, وان تغافله معاصروه, لان الشعر مرآة صادقة للشاعر, لا يمكن لها ان تكذب, وان كذب الشاعر, فالشاعر يمكن له ان يكذب في أي شيء, الا في شعره, فهو صادق امين, يبث اليك ماطفح الكيل من انفعالاته الوجدانية, ومخزونه اللاشعوري في عقله الباطن ونحن نستطيع بسهولة ان نفهم شيخنا الجليل الشبيبي الكبير دون حاجة الى اقوال معاصريه, ولكن كيف لنا ان نقنع الاخرين ونحن تعودنا بان نستشهد بآخرين لاقناع آخرين!
انقل لك هذه المواقف للشيخ الشبيبي رحمه الله وتأمل معي الاحاسيس الصادقة النبيلة التي لا يمكن لها ان تصدر الا من عقل كبير ونفس شامخة وروح عزيزة وطبيعة حرة وخيال واسع, اقرأ معي هذه القصيدة التي تحمل عوامل قوتها معها, ولو انني قصصت من اعضائها اعضاء!
يطارحني في الدوح من ليس قلبه كقلبي ولا اوكاره كمطارحي
ان كان كل المجد بعض مطامعي فنيل الثريا من اقل مطامحي
وظن سماك الشهب اني اعزل وكم اعزل يقوي على طعن رامح
عبرت له نهر المجرة ضاربا لاسنة الامواج في يد سابح
تلاحقني في ضفتيه نجومه فهل كنت في الافلاك اول سائح
كأني من تحت النيازك حاسر تهاوت عليه بارقات الصفائح
من السعد لونصل الهلال يريحني فاصبح مذبوحا لاشرف ذابح
فكن ياضراح الشهب موضع حفرتي فما في ثرانا موضع للضرائح
تجاور فيها الجائرون واسسوا بهذا الفضا احدوثة من فضائح
قرون حديد اطلعوا من سقوفها وقالوا لها هذي السماء فناطحي
ربحتم بسوق الدهر ياباعة العلا ومن خسر العلياء ليس برابح
وتأبى طباع الاعزب الحر غادة يراودها عن فسها الف ناكح
ومن كان من ضرع السحابة ربه يشق عليه الحوم حول الضحاضح
الشبيبي الكبير من قبره يناجينا ,ويرسم صورة لعصرنا ..!
وانتقل بك الان الى هذه المقطوعات والنتف الاخرى ,فمن وكان الشبيبي يسجل لنا فيها احداث هذا العصر, وليس احداث عصره ,فمن قرصاته النقدية لمواقع المسؤولية ,ومن سخرياته اللاذعة -ونحن نسخر معه -,وكما تعلم الناس اجناس ,والنواب كما لاتعلم اصناف ..!ومن اصنافهم من ليس له أذن تسمع ,ولا فم يردع , ومعنى هذا القول ,ايها المسؤولون ليشبع من يشبع ,ولا حاجة لكم بالبرقع , فليس هنالك من يد تصفع ,أقرأ وتمتع ..!!
ونائب يملآالكرسي قلت له ماذا السكوت ؟ تكلم ايها الصنم
الحامل الرأس لم نسمع له اذن والصاقل الوجه ما في صفحتيه فم
وله موقفه مع الريف المظلوم ,والوطن المنهوب , يعلن نقمته ,فتعلو صرخته ,ولكن هل من مجيب لسؤال نجيب
الله بالوطن الذي فيه الذباب علا وطنطن
يا ماضغين خراجه من مغرس زاك ومعدن
أتلفتموه ,وقلتموا منا الدمار ,وانت تضمن
فسلوا البواخر هل غدت من غير هذا النهب تشحن
وسلوا القوافل ما على تلك الظهور ,وما تبطن
وسلوا المناصب هل بها من أهلها أحد تعنون
وشيخنا يرى ان القحط ليس بقحط الارض ,وقلة الخصب ,وانما بقحط الرجال ,وعدم شغل المنصب الخالي ,وهذا هو حال عراقنا الحبيب اليوم
أجيالنا الماضون عز خضوعهم وسكوتهم لمصارع الاجيال
درجوا ,وأبقوا بعدهم أفعالهم عبروا لاسماء بلا أفعال
تركوا البلاد,وخصبها مستوعب ما بين أجواز الى أجيال
والخصب ليس بمسمن سكانها ان كان محفوفا بقحط رجال
وا حسرتا خلت البلاد ,فهل لها من شاغل هذا الفراغ الخالي
ولا ريب ان الشبيبي ,لابد له ان يتطرق الى الصراع الازلي بين القوي والضعيف في وطن لا يستند على قانون نافذ ,ولا دستور ثابت ,فالى الله المشتكى
كان الضعيف اذا مد القوي يدا لظلمة ردها مدفوعة بيد
واليوم ظل ضعيف القوم مضطهدا وارحمتاه لمظلوم ومضطهد
كم شجة ارضخته وهو معتدل كما تعاقب طراق على وتد
يبيت مضطربا في موطن قلق كأنه زئبق في كف مرتعد
نعم كم من طارق تعاقب على طرق وتدنا الصابر صبر يعقوب وما زلنا نردد, صبرا جميلا. وهل هنالك موطن قلق كعراقنا الحبيب, انه زئبق في يد مرتعش! ويقول شيخنا الجليل:
واضيعة الامال تعد مناصب حفظت مقاعدها لغيرة كفاة
من كل كأس يستجد لنفسه حللا ولكن من جلود عراة
يامفقر العمال ان بك غيرهم سببا لاثراء البلاد فهات !!
وهل هناك اكثر بلاغة من منصف للعمال من البيت الاخير فهات! ولك هذه الابيات الاخيرة من جارة القصر وجارة الكوخ! فيا لسعادة الاخيرة ويالبؤس الاولى!!
اجارة هذا القصر نوحك مزعج لآنسة فيه اكبت على العزف
ادرت الرحى في الليل يقلق صوتها وجارتك الحسناء تنقر بالدف
وجاورت هاتيك القصور شواهقا بدار بلا بهو وبيت بلا سقف
صور من الدنيا الدنية ,الصراع بين الاضداد ,والتفاوت ما بين الناس ,صولة القوي على صراخ الضعيف ,واحتجاج الفقير على ثراء الغني ,نعم الدنيا بكل متناقضاتها ما انفكت تشغل بال المصلحين,وتثير مشاعر المحتجين ,لهم أن يناضلوا لما يعشقون ,اويقفوا كما يشتهون ,فالحياة لا تبالي بهذا ,ولا بذاك ,لها موقفها ...وكفى !!
- السيد رضا الهندي الموسوي:
-
يعد الشاعر السيد رضا الهندي من شعراء النجف المبدعين الذين يوصفون برقة شعورهم وسعة خيالهم.
وقد تميز بذوق رفيع وانسيابية في العبارة وإبداعه الشعري في الوصف ورسم الصورة المعبرة، وقد شهد له بذلك كبار الأدباء والشعراء الذين عاصروه او الذين وقفوا على اثاره الأدبية والشعرية.النسب والمولد:
السيد أحمد رضا بن محمد بن هاشم بن مير شجاعة علي التقوي الرضوي الموسوي المعروف بالهندي، عالم فاضل وشاعر قدير، قال عنه السيد جواد شبر في كتابه (أدب الطف): (شيخ الأدب في العراق والعالم الجليل المؤرخ البحاثة الشهير وهو ابن العلامة السيد محمد الهندي المتوفى عام 1323هـ وهو من مراجع التقليد آنذاك).
ولد سنة 1290هـ/1874 وهاجر إلى سامراء مع أبيه سنة 1298هـ حين اجتاح النجف وباء الطاعون، وواصل دروسه هناك، وكان موضع عناية المجدد الشيرازي لذكائه وسرعة البديهة وسعة الاطلاع، وبعد رجوعه الى النجف واصل جهوده العلمية على اساطين العلم حتى نال درجة الاجتهاد.إبداعه الشعري:
يعد من الرعيل الأول لشعراء عصره وله مؤلفات عدة في العقائد والفقه وله ديوان شعري بحق أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وصفه الاستاذ جعفر الخليلي بالقول: (زاول الأدب زمناً طويلاً، فأبدع فيه إبداعاً كان المجلّي فيه بين جمع كبير من الأدباء والعباقرة في زمانه، ولقد ولع بالبديع ولعاً سما به إلى منزلة قلّ من ارتفع إليها من قبل، وإنّ لدي الكثير من الشواهد من نظمه ونثره، ومنها مقامات إذا شئتها شعراً كانت شعراً ببحور مختلفة وقواف مختلفة، وإن شئتها نثراً كانت نثراً مسجعاً أو مرسلاً، ولم يكن هذا غريباً بمقدار غرابة خلو هذه المقامات من التكلّف، فقد كان إمام البديع، وشيخ الأُدباء فضلاً عن كونه عالماً، ومن علماء الفقه المعروفين. وقلّما قرأ له أحد إلاّ شُغِف بشعره، وله تعلّق شديد بأهل البيت (عليهم السلام) إذ كان أعذب شعره فيهم(عليهم السلام) وكفى ذلك الفم الطاهر فخرا أن أنشد رائعته القصيدة الكوثرية التي لا يملّ الإنسان من تلاوتها، ولا تكلّ الاسماع عن سماع موسيقاها البديعة).القصيدة الكوثرية:
وقد اخترنا من قصيدته الكوثرية هذه الأبيات:
سـوَّدتُ صـحيـفـة أعـمـالـي ووَكـَلْـتُ الأمـرَ إلـى حَـيـدَر
هُـوَ كهـفيَ مـِن نُـوَبِ الـدُّنـيا وشـفـيعيَ في يـوم المحـشـر
قـد تـمّـت لـي بـولايـتِـــهِ نِـعَمٌ جَـمَّـت عـنْ أن تُـشكَـر
لأُصـيـبَ بـهـا الحـظَّ الأوفـى وأُخَـصَّـص بالسـهـم الأوفـر
بالحِـفـظِ مـن النّـار الكـبـرى والأمـن مـن الفـزع الأكـبـر
هـل يمـنعُـني وهـو السّـاقـي أن أشـرب من حوض الكـوثـر
أم يـطـرُدُنـي عـن مـائــدةٍ وُضِـعـت للقـانِـعِ والمُـعـتـَر
يـا مَـنْ قـد أنـكـر مِـن آيــا تِ أبـي حـسـنٍ مـا لا يُـنكـر
إن كُـنـتَ لِجـهـلـكَ بـالآيــا تِ جَحَـدتَ مَقـام أبـي شُـبَّـر
فـاسـأل بــدراً واسـأل أُحُــداً وسَـلِ الأحـزابَ وسـل خـيبـر
مَـنْ دَبـّر فيـهـا الأمـرَ ومَــنْ أردى الأبـطــال ومَـن دمَّــر
مَـن هَـدَّ حُصـونَ الشِّـركِ ومَن شـادَ الإسـلام ومـن عَـمَّــر
قـاسُـوكَ أبـا حسـنٍ بـِسِــوا كَ وهـلْ بـالطَّـوْدِ يُقـاسُ الـذَّرْ
أَنَّــى سـاوَوْكَ بِـمَـن نــاوَوْ كَ وهـل سـاوَوْا نَعـلَيْ قَـنْـبَر
أفـعـالُ الخـيـرِ إذا انـتـشـرت فـي النـاس فأنـتَ لها مصـدر
فاصـدَع بالأمـرِ فنـاصِـرُك الــ ـبَـتَّـارُ وشـانِـئُـك الأبـتَـرْ
آيــاتُ جَـلالِـكَ لا تُـحْـصَــى وصِـفاتُ كـمـالِـكَ لا تُحـصـر
فـاقـبَـلْ يـا كـعـبـةَ آمـالـي مِنْ هَـدْيِ مَديحي ما اسـتَيْـسَـرلمحات من القصيدة الكوثرية:
تميزت القصيدة الكوثرية برقة معانيها وإيحاءاتها الجميلة التي تدخل قلب المتلقي لتلامس أحاسيسه ومشاعره مستشعرا بافكاره الفضائل العظيمة لأمير المؤمنين(عليه السلام).
ففي البيت الأول الذي مما اخترناه، يتناول الشاعر باسلوب رائع مكانة أمير المؤمنين في قلوب محبيه بتمسكهم بحبله المتين، وفي البيت الثاني يؤكد على انه(سلام الله عليه) يمثل الملجأ الذي يعتصم به المؤمنون من آفات الدنيا والآخرة، ويذكر في البيت الثالث والرابع والخامس مسألة الولاية التي تمثل محورا عقائديا يجب الإيمان به وبضرورياته فبه يكمل الدين وتتم النعم.
وفي البيت السادس يتساءل الشاعر مستغربا برقة اسلوبه: هل سأحرم فضل هذا الولي العظيم يوم القيامة، وقد أشار بذلك إلى رمزية (الحوض)، مؤكدا في البيت السابع أن ذلك الكيان العظيم لن ينسى السائلين المفتقرين إلى حياضه.
ثم شدد شاعرنا النكير على الذي أنكر فضل أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد أن ملأ فضله الخافقين، كما في بدر وأحد والخندق وخيبر، ويشير متألما الى الذين ساووا امير المؤمنين بسواه ممن لا يقف معه على درجة واحدة من الفضيلة.
بعدها يختم ابياته في ذكر فضائل لامير المؤمنين(سلام الله عليه) بعبارات رقيقة واسلوب يقل نظيره. - الشيخ محمد رضا الشبيبي
- الشيخ علي الشرقي
- الشيخ محمد علي اليعقوبي
- الشاعر أحمد الصافي النجفي
- الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري
- الدكتور عبد الرزاق محي الدين
- الشاعر محمد صالح بحر العلوم
- الشيخ عبد المنعم الفرطوسي
- السيد مصطفى جمال الدين
- الشيخ أحمد الوائلي
وغيرهم الكثير الكثير...