تاريخ حوزة النجف الأشرف
في سنة (448 هـ) نزح إلى مدينة النجف الأشرف من بغداد كبيرُ علماء الشيعة في ذلك العهد، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، إثر فتنة طائفية أثارها السلجوقيون في مفتتح حكمهم في العراق، وكان من آثارها الهجوم على دار الشيخ الطوسي، ونهب كتبه وإحراق كرسيّه الذي كان يجلس عليه للتدريس، وإحراق مكتبات أخرى. فكان ارتحال الشيخ الطوسي إلى النجف الأشرف، بداية عهد جديد في حياة هذه المدينة التي أخذت منذ ذلك العهد تتحول من مدينة ومزار إلى جامعة كبرى. ويبدو أنّه كان للنجف الأشرف قبل الشيخ الطوسي شأن علمي، وكان يقصدها الناس للدراسة على علمائها المجاورين فيها، فمنذ أوائل القرن الثالث للهجرة نرى أسماء علمية بارزة تُنسب إلى النجف، مثل: شرف الدين بن علي النجفي، وأحمد بن عبد الله الغَروي، وابن شهريار، كما أن هناك إجازات علمية تحمل اسم النجف. ثمّ نرى أن المؤرخين يذكرون أن عضد الدولة البُوَيهي حين زيارته للنجف سنة 371 هـ، وزّع أموالاً على الفقهاء والفقراء، ومعنى هذا أنّه كان فيها جمهور من الفقهاء خَفِيَت عنّا أخبارهم، وضاعت فيما ضاع من أخبار النجف الأشرف الكثيرة، ومعنى هذا أيضاً، أنّه كان قبلهم فيها فقهاء، وظل بعدهم فيها فقهاء. لذا فإن للنجف الأشرف شأن علمي دراسي، قبل رحيل الشيخ الطوسي إليها، ولكن الشأن تبلور بوصول الشيخ، وتطور إلى تنظيم، جعل منها مقصد الطالبين من كل مكان. ولا يفوتنا أن الشيخ لم يهاجر إليها وحده، فمن المعلوم أنّه كان له في بغداد حلقة تتلقى العلم عليه، تتلوها حلقات تتلقى العلم على تلاميذه. ومن المؤكد أن جُلّ هؤلاء ـ إن لم يكونوا كلّهم ـ قد انتقلوا بانتقال الشيخ، ونظّموا أمر الدرس تنظيماً دقيقاً، دخلت فيه النجف في طور جديد، من أهمّ أطوارها.